2016-03-01

ليست عاطفة، أعمق. ربما فراغٌ بالعقل، بالقلب.. فراغٌ بالعين، باليد. يجدر أن أقول إنه فراغٌ بالروح. ولأننا حسب ثقافتنا الغريبة، نحارب الفراغ، نحاول أن نقضي عليه بأي شكلٍ من الأشكال. فإذا حللت ضيفًا على أحدٍ مثلًا، فلابد أن تملأ الطاولة بدءً بالشاي والقهوة والعصائر والموالح، مرورًا بأشهى المقبلات والسلطات، ثم الأطباق الرئيسية التي تفننت بإعدادها خصيصًا له، وصولًا بالحلوى فيما بعد ذلك حتى ولو لم يعد ثمة مساحة بالمعدة. فإن امتلأ طبقه، امتلأت عينه إحترامًا وتقدرًا لما قدمت من وقتٍ وجهد. وحين لا ترضيه الطاولة، لا تنزعج معدته فقط وإنما حواسه كاملة سنتقلب عليك. سيحل عليك سخطه ولعنته. 
نحن شعبٌ مصابٌ بالتخمة حتى بمشاعره. هنا تظهر ثقافة الملء. إذا لم تكن الطاولة مزدحمة وممتلئة فذلك ينم عن عيبٍ وقصور. وقس على ذلك أمورًا أخرى. يجب أن يكون جيبك مملوءً، ولو بما هو مزيّف، أو حتى بالحجر، لا يهم. الفكرة هي وضع كل ما يمكن وضعه. فآخر ما ينقصك هو كلمة سيئة تخرج عنك وتجرحك. لا تكتفِ عند التسوّق بكيسٍ واحد، يجب أن يكون هنالك أكثر وأكثر، لأنك تقدر. وإن لم تقدر، حاول، وإن فشلت.. فمصيبتك ستكون حديث كل لسانٍ لن يرحم. سيستصغرك الناس لأنك غير قادر، سيقارنون على الحتم بينك وبين خساراتهم، أو بفاشلين آخرين. لن تحظ بحياةٍ رفيهة، لن تحظَ بعلاقاتٍ إجتماعيةٍ واسعة، ستعيش بحيزك.
كل ما سبق، لا يستثني القلب. ويا للأسف أن يُنظر للقلب على أنه مساحة يجب أن تملأ. الفراغ نقص، يجب أن يمتلئ قلبك.. مصباح مكسور، ورود حمراء ميتة، سجادة متهرئة، طاولة بلياردو، زينة ميلاد تحمل اسمًا لا تعرفه... هل ترى؟ إنها مظاهر لا تشبهك ولا تعنيك كثيرًا لكنك تفوم بها رغبةً بالسعادةِ والرضا لكن ذلك لا يتحقق.
لا تضع أحدًا بقلبك فقط لأنه يملأ فراغه. إن كنت من هؤلاء الأشخاص فيجب أن تكف فورًا. لابد لك أن تتوقف. إياك أن تعاملني على هذا المبدأ. المبالغة تثير غثياني. أنا امرأة تفتنها البساطة. لست من يهتم بالمظاهر الكبيرة، أنا أشيائي كلها صغيرة. 
سأعترف لك، في حياتي فراغاتٍ كثيرة.. حين آتي للتعبير ولا تتفوّه شفتي بكلمة أحس بفراغٍ عاجر. حين تسقط دمعة بعد أن يمتلئ القلب، أحس بفراغٍ مريح. لا يخيفني الفراغ، بل على العكس، أنا أقدر المساحات الفارغة، أراها كفرصٍ للتنفس، وليأخذ كل ذي حقٍ حقه.
وعندما لا يكون إستدعاؤك لي مجرد ملءٍ لفراغ، حينها سألبي نداء قلبك.

2015-02-08

لا روما هنا

لا روما هنا
الطرق مسدودة
لا صدفة تجمعنا
الإشارة تفتح لمراتٍ ومرات وأنت واقفٌ بمكانك لا تتحرك ولا تصل
لا شيء يؤدي إليك
ولكن تؤدي بك أشياء كثيرة

لا روما هنا
ليس الأمر ترسيم حدودٍ على الخريطة أو اختلاف مسميات
وإنما فقدٌ وبحثٌ وإيجاد
بعض الفقد سهوٌ ونسيان
وبعضه اضطرارٌ وإلزام
مهما خفت في الغيب غرابته فإن للفقد أسباب

لا روما هنا
مخطئ أنت حين تبحث عن مدينةٍ بغير بلادها
فلن تجد مهما اجتهدت عما أتيت له
ولربما ندمت القدوم وكرهته

لا روما هنا
الشارع ضيقٌ والبال لا يتسع
خذ قرارك فالكل يشهد أنك قد تعبت
إن لم يكن حلمك هنا، غادر سريعًا
غادر وإما جدد وجهتك لو سمحت.

2015-02-02

لا تصالح

لقد أخطأنا حين قلنا أن المنطق أساس القرارات. فنحن نحكم بناءً على أحاسيسنا ومشاعرنا وهنا تنشأ المعركة بين إرادةٍ وصواب. بين خيرٍ ومصلحة. بين تجنب مشاكل ونصرة الحق. بين خسارة شخص أو كسب مال... فهذا هو المدخن، مستمر وهو واعٍ جدًا بأن ما في يده أداه انتحار لكنه يدخنها ويضحك لأنها تشبع رغبةً بداخله. ومن الأسهل حتمًا أن يتجه أحدنا، أيٌ منا نحو الحرام، نحو الخطأ وبإقتناعٍ منه ولكن بحجة الإضطرار.
لست مضطرًا. احسم قرارك. حدد موقفك. ولا تصالح مع دخان السجائر. طريق الصواب أشقى وليس كلٌ منا مستعدٌ له. الحلول الجاهزة أسهل. اتباع الشهوة أسهل الطرق المختصرة، توفر لك وتضيعك في آن. 

وليس حقدًا مني ولا كراهية. إني أقف بصف السلام ولهذا أردد: لا تصالح! لأننا متى ما تصالحنا مع هذه الأفكار فنحن نعترف بها، نضع لها مقامًا ونشجع ممارستها. والذكريات الجميلة تذبل أمام السرقات، والأكاذيب وغيرهم من الخيانات. وبالمناسبة، فإن الخيانة لا تقتصر على جسد فهي تبدأ داخلك بنيّة وتنتهي بداخلك أيضًا بشعور مختلط بين نشوةٍ وخيبة وأشياء لا أود إختبارها. الأمر بتجاوز رغبتي بالمسامحة. ثمة طريقين للتغيير إما أن تنصلح الأمور وإما أن نتغير لنتقبلها. وعالمنا هذا قد وصل حده، فما عاد يقبل بشاعةٍ أكثر ولا سخرية ولا الصمت العاجز. لذا، فلا تصالح مع السرقة مهما كان السارق.
لا تصالح مع الخيانة. الخيانة ليست أمرًا عارضًا، ليست حادث سيارة؛ تكون تعبر الشارع فتصطدم بك من حيث لا تدري. بل هي حدث أساسي لا يحدث صدفة وأنت عن هذا تدري.
لا تصالح مع ألوان الكذب فما بني على باطل هو أيضًا باطل.
لا تصالح مع من يصافحك بيد ويطعنك بيدٍ أخرى. فليعلم أن لكلٍ نفسٍ ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
لا تصالح مع الغش حتى وإن كان جوابًا في إختبار مادةٍ سهلة، المبادئ لا تجزأ.
لا تصالح مع الأقنعة مهما بدى القناع جميلًا.
لا تصالح مع المعصية. فالذنب ذنب والذنب يجذب الآخر.
لا تصالح مع الظلم وللمظلوم دعوةٍ تفتح لها أبواب السماء.
لا تصالح
لا تصالح
لا تصالح...

2015-02-01

اعط إحساسك حقه

نحن فطرنا على الإستجابة, وقد تستغرق تلك الإستجابة مدة أطوّل حين تكون على طبيعتها, دون تدخلاتٍ خارجية. بداخل  كلٍ منا جهازٍ مناعي, لكن حالما نخمد كل وجعِ بمسكن, فإن المناعة ستتراجع إذ ثمة ما يسبقها من حلولِ ومسكنات. حتى إذا احتجنا يومًا مناعتنا السليمة, وإحساسنا الحقيقي, لن نجده لأنها استغنت عن دورها الداخلي ليحل محلها المسكن. وكذلك هو الإحساس بالحزن أو الفشل أو ما يصنف حديثًا على أنه مشاعر سلبية نتيجة فراقٍ أو فراغ. لذلك يقحم الآخرون أسبابهم فيدعونك لإرتداء ابتسامة التماثيل الثابتة وتصديق أكذوبة التفكير الإيجابي فلا تفكر إلا بالأمور الطيبة والسعيدة ولا يراعون أنك بحاجة لتلك الوقفة, لذاك المرض, للحزن بين فنية وأخرى. بجانب أن هناك أفكار أخرى لك أن تجربها وهي لا تقل أهمية عن غيرها. فلا بأس إن جرح قلبك قليلًا بدافع الحب, أو إن ضعت وأنت تبحث عن طريقك في الحياة, أو أن تهاجم رغم نواياك الحسنة كلها. تذكر أن الحياة تجربة مستمرة.
 يؤسفني أن أقول لك يا صديقي, أن الحب لا يأتي وحيدًا. ولا يأتي خالصًا دون قيودٍ, مشاكلٍ أو آلام. وأنت, تتعامل مع الحب في أي علاقة كالمضادات الحيوية, تتعاطاها لتسكن الألم, ولتجعل طريق العلاج أسرع وأسهل. الذي يحدث هنا هو أن كلما دخل فايروس جديد إلى جسمك أو شخصٍ جديد في عالم علاقاتك, تهرع لأدويتك كي لا تشعر ولا تتألم ولا تخسر لكنك على خطأ. قد يجنبك التجاهل اللحظي بعض مواقف, ويوفر عليك مشقة إصلاح قلبٍ أو كبرياءٍ مكسور, لكن نظرتك محدودة وخطتك لن تنجح على المدى الطويل. لو أنك تنظر للصورة الكبيرة, ستعي الضرر الذي يخلفه الإهمال. سترى كيف تضعف طاقتك ويستحيل جسدك الذي عودته على الأدوية إلى فراغٍ مستمر الإتساع. ومع الأيام لن تتمكن من السيطرة عليه ولن تستغني عن مسكناتك. فارفق تُرفق.
عليك أن تعطي الإحساس حقه فقف بصف الحزن, اعلن حدادك, البس سوادك, اصرخ, ابكِ, وتمتع بمتناقضاتك الكثيرة ثم انطلق. لتكن لك التجربة كاملة بحلوها ومرها. وإذا استغرق الأمر طويلًا, فلماذا التعجل؟ لن تنال إلا ما كتب الله لك. 

2014-10-18

لست إلهً

  بودي حقًا لو أغفر لك. لكنني لا أظن بعد أني وصلت. تمنيت لملايين المرات, تمنيت بكل الطرق لو لم يحدث ما حدث, لو تظهر آلة الزمن ويرجع الزمان, لو لم نكن, لو ليس هنالك أي شيء,  لو ماتت قصتنا, لو أننا نجيد التظاهر كما لو أن شيءً لم يكن, لو أرمش فيتغير كل شيء.. لكن لم يحدث أيًا من ذلك. فقط تغيّر قلبي عليك. ترى هل مشيت مثلي يومًا وتعثرت بذكرى؟ هل كسرت غير القلب فيني فوجدت الجرح فيك يدمي؟ هل شعرت من فرط تفكيرك المبالغ بالتعب؟ آمل ذلك. آمل أنك سهرت بحيرتك. آمل أنك وقفت عند أعتاب بابٍ جديد ولم تدخل لأنك ما عدت تثق حتى بنفسك. آمل أنك ترتبك حين يسألك الناس عني, فانني دون ذنبٍ كلما سؤلت عنك, تسمرت في مكاني طويلًا, أبلع كلمةً لها طعم الحديد في معدتي, وأجد ملوحة مكثفة على لساني, ورعشةٍ في يدي, وثمة كذبةٍ لا تستطيع عيناي الاتيان بها فأصمت. كيف افترقنا؟ فرقنا الزمان وأشياء أخرى لست متأكدة منها.
أما الآن فأود أن تعرف أنني لست كارهة أو حقودة. صدقني, أنا لا أكرهك ولكن لا أحبك كما كنت. أن نعود كما كنا فهذا مستحيل, فلا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان. ربما, نكون شيءً آخر, شيء مختلف, ولكن ليس بعد, ليس الآن. لا تأتي للإعتذار لقد تأخرت. إن نظرة حزينة, ونبرة مهتزة, لا تصلحان أي شيء. أخبرني, ماذا بحق الكون سأفعل بكلمتك الآسفة؟ خذ إعتذارك لقد رفض. لا يمكنك أن تتحكم فيما أسامح أو كيف. أنا بعدي لا أعرف ذلك. لا تقل لي أن الله يغفر ذنب كل تائبٍ وأنك لأجل عينيّ قد سجدت. أخطأت بيني وبين الله. لست إلهً! إن كان الله يرى ما بقلبك, فليس لي أنا إلا من قليل ما ظهر. لا أعرف نصيبك من العفو أو الغفران, لكن كل شيء يحتاج وقتًا. وأنا, مجرد إنسان.

2014-09-19

قائمة الشوق والحب

أحتاج مساحةٍ قليلة، لا أطالب العالم بأكثر. مساحة لأغني بصوتٍ عالٍ دون أن يسمع صوتي الناشز أحد. دون أن تصعد علامات استفهامٍ عن معاني الكلمات التي أقرأها وعن علاقتها بي. دون أن يسحب أحدٌ السماعة من أذني لكي أستمع لشكواه. دون أن يجر ثوبي أحد لأمشي معه لأن لا رغبة له بأن يكون وحيدًا. أما أنا فأتوق لهذه الوحدة. أريد أن أبكي بلا مناسبة ثم أضحك دون أن يشك أحدًا بحالتي العقلية. إنها حاجة في نفسي.. أن أحب وأختبر الشعور أيًا كان. هذه أنا وهذا لي. لي أن أشتاقك من هنا بين الحين والآخر. وهناك أنت. دائمًا هناك. ومسافة لا أعرف قياسها.. مسافة حلم، مسافة عمر، مسافة نفس. وهناك أنت أجدك عالقًا في شهقةٍ يتلوها نحيب. طلبتك مرة أن لا تجعلني أشتاقك وأنت قريب فمضيت. حالت بيننا المسافة، ومازال بيننا إشتياق.
هناك بالسفر الهارب عنك، أشتاق للمطر، للبرد، للإجازة، لرائحة البحر، للطبيعة السخيّة بإلهامها كما أشتاق لأن أعود.
أشتاق لعلاقة مفاتيح سيارتي التي يتدلى منها علم وعملة ورمز.. لحريتي في إختيار وسيلتي بالتنقل.. للدخول والخروج دون كثير إهتمام.. أن أمتلك وقتي فأفعل ما أشاء.. أن أجلس ساعاتٍ طوال دون أن يطالب العالم برؤية وجهي.. أشتاق أن أتشرنق ببطانيةٍ فوق شراشف سريري المنقوش بأشكال الزهر.. أشتاق لورق جدراني الصغيرة والتي تمنحني فرصًا كثيرة للحلم والخيال. أشتاق لقاءك أكثر.. للكلمة التي بوزن تنهيدة تجتثها من صدري بلمسة. أشتاق لقلبي الذي تعوّد أن تكون رياضته هي القفز كلما جاءه خبرٌ منك وياه كم كان قلبي رشيقًا.
هل لك أن ترى.. أنا أحضّر لك قائمة الشوق وأنت لا تقرأ ولا تشتاق.
أشتاقك وأنا أرفع مظلتي الشمسيّة.. المطر بداخلي أكثر. أشتاقك حين أضحك من قلبي وأنا أجرب شيءً لأول مرة، لأنني لوهلةٍ تخيلتك معي منذ أول الصباح تأتي كأول فكرة وحتى آخر الليل حين أنام. أنام وأنا سعيدة لأنك آخر خاطر، وآخر فكرةٍ قبل النوم.. وحزينة بشكلٍ مضاعف لأنك تنام بعيونٍ أخرى وأنا أنام ككلمةٍ منسيةٍ بين السطور..
ثم في صباحٍ آخر، بعد سهرٍ طويلٍ أفتح عيني وأعلم أن الكحل النائم على وسادتي، لا يقول عنك أشياء جميلة.
ولأنني، مازلت أحبك، ومازلت أحب الحياة.. أغسل عيوني جيدًا، أجدد الكحل فيها.. أغسل الشراشف كلها وأغني. وحين يحل الليل، أعود مرةً أخرى لأحلم بك.

2014-09-10

من قلبي وحتى آخر الإلهام

سقطت تفاحة على رأس نيوتن، أو أمامه في روايةٍ أخرى فألهمته للتعرف على قانون الجاذبية الأرضية. لكنني شهدت هنا بأم عيني أن هدمت عمارة بأكملها، ولم تهتز شعرةً من رأس واقفٍ أمامها ولا حتى أثرت بمتفرجٍ عليها من خلف واجهة مبنىً مقابل. من شرط على الإلهام إلا أن ينتج سفينةٍ بحرية أو تحفةٍ فنيّة وإلا لا يكون؟
إن ما يجري ليس بسيطًا، لكنه ليس معقدًا تمامًا. المشكلة تكمن بين النظر والرؤية. إذ ليس هناك حدًا واضحًا لمفاهيمنا ولا نشكك فيها. نأخذ كل ما نراه على أنه كما هو، وكل ما نتلقاه هو من المسلمات لأننا شهدنا عليه بحاسة من حواسنا، فلا نحاول نغييره. ولذلك يغيب الإبداع.
ثمة تكنيك رائع ابتدعه "مونيه" وهو فنان تعبيري ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وتميزت أعماله بأنها حالمة لا تطابق الواقع لكنها تظهر إنطباعًا له. إذ كان يرى المشهد الذي ينوي رسمه أولًا بعينيه، ثم يغمضها جيدًا ليبصره جيدًا بقلبه. ومن هناك، من قبله المرهف، يأتي بصوره كما لم يراها أحدٌ قبله. وهذا ما يجب على كلٍ منا تجربته، لا بالرسم ضرورةً ولكن بالسماح لأنفسنا أن تكون لنا نظرتنا الخاصة وأن نجد في أنفسنا طريقًا للإلهام.
لنأخذ تجربة تؤكد ما سبق: ضع محفظتك مفتوحة أمام أحدهم، اطلب منه أن يراها جيدًا لبضع ثوانٍ، ثم اخفها عنه، واسأل عن لونها ثم اسأل سؤالًا آخرًا أكثر دقة: رقم العملة البارزة فيها مثلًا، وقد يجد صعوبةً بالإجابة على الرغم من أنه في البدء كان يزعم أنه يرى جيدًا. نحن نأخذ الصورة البصرية بشكلٍ عام، والتفاصيل تحتاج لتركيز لأنه على الرغم من أن السؤال ليس صعبًا إذ لو كان الشخص مستعدًا له قبل أن تعرض عليه العنصر البصري -مهما كان- فلن تستغرقه الإجابة طويلًا. علمًا أن لا المادة ولا الشخص قد تغيروا لكنه الهدف/الرابط الذي جمع بينهما. ففي الحالة الأولى فإن الشخص يستقبل لكنه لا يفعل شيءً بما يستقبله، كما أنه لا يفكر ولا يحس لا لأنه عديم الإحياس بل لأن ليست له حاجة في ذلك. بينما عند السؤال، فإن الحاجة توجه الفكر للتجربة والبحث عن جوابٍ ضائع. هكذا نحن في مواجهة العالم، حين لا نحدد لنا هدفًا فكل ما يحدث لما يمر علينا هو تكريس وتخزين لمواقف الحياة بأحد مستودعات الذاكرة حتى ينسى كما لم يكن. لذا، فإن الذين تشتعل رؤوسهم بالأسئلة، تومض إجاباتهم بتدفق الأفكار بالمخ عندمت يحدث توافقًا بينها. هذه لحظة السعادة عندما أخيرًا تتوصل إلى حلٍ أو طريقًا يوصلك إليه. هذه اللحظة تحديدًا هي التي تتوقف فيها مندهشًا "لقد وجدتها!"  
إنه ضوء يقود فكرة هائمة إلى حية تنتمي وحيث نبتغي من إنجاز. وكلما زاد ثراؤنا الفكري، كلما أتيحت لنا فرص الإلهام. أما مجالها فهو يعتمد علينا، على الكيفية التي نغذي بها فكرنا وحواسنا، على النمط الذي نختاره لأيامنا. التجارب الجديدة، تحرض الأفكار الجديدة. ومن هنا، فإن الإلهام لا يأتي وإنما نسير إليه. الجذب يجب أن لا يكون من طرفٍ واحد. إنك حين تسعى لأمرٍ فإن الله يسخّر الكون لك. وكلما رغبت بالإلهام، وجدته واقفًا عند بابك، أمام مرآتك، متسربًا إليك من فتحات التكييف، ولابد لابد أن يجد هو الآخر إليك سبيلًا. وعلى سبيل الإلهام مجددًا، فإن الخفافيش هي التي ألهمت الفنان ليوناردو دافينشي لمشاريع الطيران. ثم إن الإلهام لا يأتي بالضرورة من أشياء تستهوينا فحتى صرخة الـ"آه" القادمة من وجع. لها أن تلهمنا.
أما بشأني أنا، والدافع وراء كتابتي جميع ما سبق كان سؤالًا من أحدهم: "ما الذي يلهمك؟" وكان من السهل جدًا أن أختصر فأقول كل شيء لكنني قبل أن أصل لهذه النتيجة أود أن أتبيّن الطريق.
تلهمني النزهات الطويلة، والكتب التي تفتح أبواب حياواتٍ أخرى على حياتي مع إتاحة فرص المشاركة. يلهمني الشتاء بما فيه من كرات صوفٍ وثلج. يلهمني البرد الذي يقربني إليك. يلهمني المطر حين يبلل قلبي وتجففه يديك. يلهمني المد الواصل حتى عمق الروح. تلهمني الأبدية التي ترتسم بابتسامة والعيون التي حين تطالعني كأنما تنادي: "تعال!" تلهمني يدي وهي تبتدع الدهشة كلما كتبت نصًا أو رسمت رسمًا أو صنعت حاجة صغيرة في المطبخ. تلهمني الدمعة الحزينة لأنها تخبرني أن هنالك خلل، وهنالك من يحس به ويشعر إما بعجزٍ أو بالرغبة لإصلاحه أو حتى الأثنين معًا. 
نحن غالبًا ننجذب نحو ما يعجبنا كما نعجب كثيرًا بما يشبهنا. نحن نألف ما يشبهنا لأننا نعرفه. لكن هذا السعي، طريقٌ مسدود لأن نهايته ليست بعيدة عن بدايته ولا تختلف عنه كثيرًا. أن يعجبك شيء لا يعني أن يلهمك، الإعجاب غير الإلهام. كما لابد أن نستوضح أن ذاك الشعور الذي يحركك من الداخل ويدفعك لقولٍ أو فعل، ليس محكورًا في شخص أو مادة. إنه متوفر أكثر مما تظن، وأقرب مما تظن. أنت فقط بحاجةٍ لأن تستشعر بالحياة حولك. ولتتذكر دائمًا أنها رحلة استكشاف، إذا كنا واثقين ومتأكدين من النتيجة، فلا بهجة ولا دهشة ولا إلهام. 
وأخيرًا يا عباد الله، فليبارك الله عقولكم ليستطيع الشوك على وردة أن يلهمكم، ولتروا من قطرة ماءٍ كيف خلق الله كل شيءٍ حي، ولكي يكون لكم الإمتنان على قرطاس حلوى مر بمراحل التفكير والتخطيط والتصنيع والنقل والتسويق ليقع أخيرًا غلافًا لقطعة سكّر وضعها غريبٌ بين أيديكم.

2014-03-18

غصة

يحدث لظرفٍ ما, أن تحاول إبتلاع موقفٍ كما حين ترى من يسئ أو يساء إليه وأنت مارٌ بالطريق فتواصل مرورك دون أن تتدخل. على الرغم من إنزعاجك, وقليل الغضب, فإنك تكبت وتقول أن أضعف الإيمان هو إنكار المعصية بالقلب فتنهاها بقلبك وتكف خيرك إن كان لك أن تقدمه, فتبطش أيادي الظلم وتستمر بالنهب والإبتزاز. وأنت تبتعد لطالما أنها لا تصلك ولكن حين يأتي دورك, تصيبك الندامة كما حال أي آدمي على هذا الكوكب. وتحاول مرةً أخرى التحلي بالصبر الجميل, لكن الكبت ليس تصبرًا جميلًا. لا تنخدع, فالسكوت ليس دائمًا من ذهب. تكلم, قل ما عندك, لا تخف, تكلم.. ضعفك ليس بالكلام أو السكوت, ضعفك باللاقرار. اختر طريقك, لا تنتظر ما يملى عليك. فكر بنفسك, جرب. لا تكن خيبةً أخرى كما الآخرين, تبحث سرًا عما قيل عنك وفيك, ولأنك أخذت الإشاعة بعدما دارت بأفواههم القذرة وبدل أن تتخلص منها أو تلصقها بشعورهم لتتشابك كما يستحقون, وضعتها بفمك لتعرف طعم الفضيحة المتداولة لتتصالح مع عالمٍ مختل عقليًا وأخلاقيًا ونفسيًا وإن كان يعني أن تخرج كلمة السوء القادمة من فمك.. وحدك تتحمل مسؤولية النتائج.
تذكر أن الغرفة التي جمعت أشتات العالم, مهما امتد إتساعها أمام النظر, تضيق بمن فيها حين يضيق النفس. والقلب الذي رحب بالجميع, ما عاد يتسع هذا الإزدحام. إنه إمتلاءٌ مخادع بمصالح مدروسة, وماركاتٍ تشترى, وموادٍ بلا قيمة. ورئتك التي لا تستطيع أن تتحرك, تحتاج بعض الفراغ. الفراغ الذي تحسه نقص, تريده لا سواه. والسحاب الذي أغلقت به فمك لتكف عن المشاكل, لم يكفها عنك.  
الغصة التي تمت منذ دهرٍ طويلٍ في منتصف الحلق تعيق أي حركةٍ فلا تسمح لشيءٍ أن يمر ولا هي التي تمر. فنحاول دفعها بحبة تمرٍ, بكلمة, بأي شيء.. نحاول طولًا وعرضًا لكنها تبقى فينا عالقة ونحن نتأزم لخللٍ في أنفسنا لكنها حكمة من رب العالمين أن لا يمر كل ما حاولنا تمريره ومهما حاولنا تمريره لأنها لو عبرت/لو طافت ودخلت فينا لزادت أذيتها لنا. ولربما كانت لتسممنا أو لتقتلنا. لذا, فلحسن الحظ أننا نستفرغ ليخرج كل ما لم يطب لهذه النفس ودخل دون أن تكون له حاجةً أو محل. ليخرج كل شيءٍ على أصله, بأقصى بشاعته التي لا تهضم وحين يطالعك الناس وتحوطك نظراتهم بإشمئزاز, لا تخجل, يحق لك أن ترتاح.
:) 

2014-03-02

روح الحبيب



كيف نستعد للحب؟ هل يجب أن نحمل ورودًا؟ نضيء شمعة؟ نجلس جلسةً محددة؟ ماذا يجب أن نفعل؟ كيف يستوجب علينا أن نتصرف؟ 
حسنًا، لا توجد إجابة عامة  فإنها إهانةٌ للحب أن نقلص إمكانياته بكلمةٍ وبدلة وخاتمين.

لا تقل لها أحبك حين لا يكون الأمر أكثر من نظرة إعجاب. 
لا تقل لها أحبك فقط لأنك أردت أن تجرب نغمة صوتك بالكلام.
لا تقل لها أحبك لأنك تشتكي من فراغٍ تطالبها بملئه.
لا تقل لها أحبك حين لا تكون مستعدًا لأن تمنحها حبك.
لا تقل أحبك لتأخذ قلبها ولا تمنحها من قلبك.

تمهل قبل أن تنطقها، ابحث بمعانيها. لأن كلمةٌ واحدة كهذه يمكنها أن تغيّر حياةً كاملة. إن كان التغيير يخيفك، واجهه. امنحه من حبك. ادخل في عمقه، ستفاجؤك خيراته. وإن كنت جبانًا فابتعد. الحب ليس للقلوب الضعيفة. القلب المحب، قلبٌ شجاع. فإن كنت لا تمتلك شجاعة الحب، لا تدّعيها، لا تخادع. ثم إياك أن تقيس الحب بالمنطق، الحب مجنونٌ بالثلاث. ستعطي وتنسى حين تعطي من بالتحديد أعطيت، إن كان هو حبيبك أم أنها نفسك التي وجدتها فيه. وقتها، حين تكون مستعدًا لأن تتحمل مسؤولية جنونك، وأن تمنح صبرًا طويلًا لمن تحب، أن تضع أناك جانبًا وتتخلى حين تستدعي الحاجة، وأن تتغيّر ولو قليلًا لأن الحب حتمًا سيغيّرك. وأقل ما سيغيّر فيك هو نظرتك للحياة. حين تحب ليس وحده قلبك المتورط، بل أنت بكلك. وأخيرًا حين تقول "أحبك" أنت تطالب حبيبتك أن تشاركك ورطتك الجميلة. 

لا تسهب بتفسير أسباب حبك، لكن كل امرأةٍ تحب أن تسمع كلامًا جميلًا. لذا فحين تخبرها، لا تقل أحبّكِ قلبي، أرها كيف أحببتها بكلك. كيف تطرب أذنك لسماع صوتها. شاركها مواقفك المضحكة قبل أن تقص عليها بطولاتك. اردم حواجزكم، كن أمنًا وأمانًا. لا تكن سجنًا ولا السجان. شاركها أسرارك. أهمس بأذنها: أحبكِ عقلي! أفلا تحب العقول؟ 

لتكن حبيبتك هي ملهمتك، قصتك وقصيدتك. لتكن حبيبتك لا توأمًا لك، ولكن صديقتك الأكثر من صديقة. لتكن حبيبتك مرآة قلبك، وكن لها خيرًا لتكن خيرًا لك.

2014-01-23

قبلة على الجرح

 

ثمة جراحٍ للذكرى,
وذكرياتٍ للجرح.
 
 الجرح خط أحمر. واليد التي رسمت خطوطها فيّ, جرحت كثيرًا. وتأتي في حياة كلٍ منا فرصة من بين مليارات الفرص أن نرد على الصاع بصاعين, والجرح بنزيف, والضحكة الساخرة بفلم رعب! لكنني على الرغم من إلتماع الفرصة وتألقها, أتركها بدل أن أرميها عليك. أنت تجرحني ولا أستطيع أن أفعل ذات الشيء لك ولا رد الإساءة, لأنك حين تنجرح وحدي سأتألم بك. ها أنت تعبر الجرح, ولا تحترق. أنت تواصل فنك بتعذيبي, وأنا لن أكون بعد اليوم لوحتك التي تتألم.
 
النسيان كذبة. لن ننسى. الجرح الذي لا يختفي هو سيرة ذاتية لتاريخٍ مؤلم. ولا بأس, الألم هو ما يجعلنا أحياء. لكن كثرة الجروح لها أن تقتل. نحن لا نتعوّد, والجرح القادم لن يكون أخف. نحن لا نتعلّم اللامبالاة, إننا جميعنا نولد بإهتمامٍ كبير ثم ننجرح ونتغيّر وبعدها لا نبالي. فإذا إلتقيت يومًا بشخصٍ لا مبالٍ, قبل أن تلمه, فكر بحاله وما يمكن لظروفه أن تكون. على أي حال, جراحنا مهما إختلفت أسبابها تذكرنا بشخصٍ أو مناسة, لكنها ليست الشخص ولا المناسبة وإنما ذكراهم فينا. لذا, فلا تحصِ جروحك حين يفوق عددها عدد أصابعك. فقط طف عليها بما يساعدها لتتحسن. وإن لم يأت الإعتذار, لا تقلق, ولا تحزن. الإعتذار قد يكون كالملح على الجرح حين يأتي متأخرًا وفارغًا في حين نتوقعه أن يكون مداويًا وعميقًا. إنه لا يعيد شيءً كما كان لكنه يطهرنا قليلًا عسى أن نكون أكثر نقاءً وصلحًا. فاعتذر لجرحك الذي لم تشأ لكنه كان. اعتذر لأنك لم تحبه وهو منك. وبينما كنت مشغولًا ببغضه\كرهه كنت تبغض نفسك. حب جرحك وتقبله لتعيش معه بسلام. قبّل جرحك فإن قبلةً على الجرح لن تشفيه, لكنها ستعالجك بطريقةٍ ما.
  
:)